Menu

المرحلة الثالثة للحرب، بداية  اعتراف الكيان  الصهيوني بهزيمته في قطاع غزة  

عليان عليان

عليان عليان

خاص - بوابة الهدف



المتابع بشكل دقيق لمعطيات وتفاصيل الحرب العدوانية الصهيوأميركية على قطاع غزة على مدى  تسعة شهور  ، ولانتصارات المقاومة في كافة محاور القتال ، ولتصريحات أبرز القادة العسكريين الإسرائيليين  في صفوف الاحتياط ، يخرج باستنتاج محدد مفاده "أن المرحلة الثالثة للحرب التي أعلن عنها العدو وعنوانها " الضربات المكثفة بناءً على معلومات استخبارية" هي بداية الاعتراف بهزيمة الكيان المدوية في هذه الحرب ، والوسيلة التي  اهتدى إليها مجرم الحرب نتنياهو للنزول من أعلى الشجرة، وللتراجع عن التصريحات العنترية حول هزيمة حماس  وتدمير قدراتها العسكرية ألخ.
مخرجات الحرب الصهيو أميركية صفر مكعب 
  وكانت قيادة العدو  زعمت   أنها أنهت المرحلة الأولى في غزة والمحافظات الشمالية في ديسمبر(كانون أول)  بهزيمة المقاومة واجتثاثها ،  وانتقلت للمرحلة الثانية للقتال في المناطق الوسطى والجنوبية ، لتفاجأ بأن غزة ومحافظة الشمال تشتعل  بالمقاومة من جديد وبشكل أكثر شراسة ، كما أنها  في معاركها في محافظات الوسط زعمت أنها ستنهي القتال في الوسط وخاصةً في محافظة خان يونس في غضون بضعة أسابيع ، لكن القتال استغرق فيها ثلاثة أشهر دون أن يحقق العدو أي نصر على فصائل المقاومة ،حيث   انسحبت قواته بهزيمة مدوية إثر  مسلسل من الكمائن ذات الطابع الاستراتيجي  وأبرزها كمين الزنة .
وإثر انسحاب قوات الاحتلال الذليل من محافظة خان يونس ، راح نتنياهو وغالانت وهاليفي يتبجحون بأنه لم يتبقى لقوات الاحتلال ،سوى أن تحسم المعركة ضد حماس والمقاومة عبر القضاء على آخر أربع كتائب للقسام في   رفح،   ليعلن بعدها عن انتصار قوات الاحتلال.  وكانت المفاجأة الكبرى أن  المقاومة في رفح كشفت عن إبداعات عسكرية هائلة أدمت الاحتلال عبر مسلسل الكمائن النوعية والمركبة،  استخدمت  خلالها مختلف صنوف الأسلحة والذخائر المصنعة محلياً.
وأمام إصرار نتنياهو على معاندة حقائق المقاومة العنيدة وغير المسبوقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني ، وفي تاريخ  حركات التحرر الوطني في القرن العشرين وفي  مطالع القرن الحادي والعشرين ، راح الثلاثي ( نتنياهو وغالانت وهاليفي)  يناورون بمحور نتساريم لفصل شمال القطاع عن جنوبه ، وبالعودة إلى مخيم جباليا ن لكن  مناورة  نتساريم تكسرت أمام ضربات المقاومة من الشمال والوسط  بقذائف الهاون ويالصواريخ قصيرة المدى ، في حين أن مخيم جباليا تفوق على نفسه بمسلسل العمليات النوعية ، وأجبره  قوات العدوعلى الانسحاب من المخيم جراء فاتورة الخسائر الجسيمة.
 المرحلة الثالثة 
وأخيراً لم يبق أمام قيادة العدو سوى أن تخرج من مستنقع قطاع غزة  تحت عنوان ( المرحلة الثالثة) مسترشدة بنصائح الإدارة الأمريكية ، وبتقارير الاستخبارات الأمريكية، بأن المقاومة عصية على الهزيمة ، وأن (إسرائيل) خسرت الحرب ، وأن عليها أن تفكر بمخرج لوقف الحرب في القطاع ، والقبول بشروط المقاومة ، وهذه النصائح  استمع لها وزير الحرب الصهيوني" يو آف غالانت"  إبان زيارته الأخيرة لواشنطن ، حيث بتنا نسمع بتصريحات جديدة على نحو  " تقويض قدرة حماس على إعادة بناء قواتها وتسليحها" بدلاً من هدف " القضاء على حركة حماس".
والمرحلة الثالثة وفق تصريحات قيادة العدو تقتضي البقاء في محور نتساريم وفي محور فيلادلفيا فقط وسحب بقية  القوات الاحتلال  إلى منطقة السياج ، ثم شن هجمات على مواقع محددة في القطاع بناء على معلومات استخبارية. 
وفي أول اختبار للمرحلة الثالثة في منطقة الشجاعية ، دخلت قوات الاحتلال  الحي -صاحب التاريخ النضالي الممتد منذ قرون- للمرة الثالثة ، بناءً على معلومات استخبارية بأن المقاومة عادت  إلى الحي  في عشر مرتكزات قتالية ، فكانت الشجاعية مقتلها الأخير ، كمين مركب يتلوه كمين مركب ، يضاف إلى ذلك سلسلة العمليات المركبة في رفح ،حيث بات المراقبون يلهثون وهم يتابعون هذه الكمائن الموثقة بالصوت والصورة ،  والتي كشفت عن دروس ومهارات مبتكرة للمقاومة.
 لكن التطور الأبرز – الذي هو محصلة تماسك القيادة والسيطرة ودور غرفة العمليات المشتركة للمقاومة -  انتقال المقاومة في المرحلة الثالثة المزعومة، من الدفاع والدفاع الهجومي  إلى مرحلة  الهجوم ، بمجاميع عديدة على مواقع الاحتلال ، وأبرز مثال على ذلك  هجوم  مقاتلي كتائب  القسام على مقرات القيادة   الإسرائيلية في حي السلطان بمدينة رفح  وهجوم مقاتلي سرايا القدس وعلى قوات الاحتلال المتحصنة في الأبنية في حي الشجاعية حيث أسفر الهجومان عن مصرع كافة الجنود والضباط الصهاينة في الموقعين ، ناهيك  أن  انتقال المقاومة من الدفاع إلى الهجوم ، تميز أيضاً بإطلاقات كبيرة من الصواريخ على المستوطنات والمواقع العسكرية في غلاف غزة.
خلاصة :محصلة العدوان  الصهيوني في  المراحل الثلاث في  تقدير العديد من الخبراء العسكريين بمن فيهم الخبراء الصهاينة " صفر مكعب" ، فرغم دخول قوات الاحتلال كل مناطق فطاع غزة ، إلا أنها لم تفلح في السيطرة على أي شبر فيه ، وما يعزز من هذا الاستنتاج  ، صدور تصريحات من أكثر من مسؤول عسكري  صهيوني سابق  مفادها " أن ( إسرائيل )خسرت الحرب  بصورة كبيرة في قطاع غزة،  وأنه إذا تمّ الخروج الآن إلى معركة ضد حزب الله، فستكون  أمام هزيمة استراتيجية كبرى .
لماذا النزول من أعلى الشجرة عبر المرحلة الثالثة؟
هنالك عدة أسباب تفسر  الإعلان الخفي  لهزيمة قوات الاحتلال  أبرزها :
1-أنها رغم حرب الإبادة الجماعية التي مارستها على مدى تسعة شهور والتي فاقت في بشاعتها تدمير المدن الألمانية وعلى رأسها مدينة " درزن" في الحرب العالمية الثانية  ، والتي نجم عنها حتى الآن  استشهاد ما يزيد عن 38 ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال وإصابة حوالي 88 ألف وتدمير ما يزيد عن 70 بالمائة من مباني ومؤسسات قطاع غزة ، لم تتمكن من تحقيق أي من الأهداف السياسية للحرب . 
 ورغم  أن نتنياهو  ظل يعمل  على إطالة  أمد  الحرب ، حرصاً على مصالحه الشخصية حتى لا يخرج وإلى الأبد من الحياة السياسية ، إلا أن حقائق المقاومة العنيدة،  التي انعكست على قوات الاحتلال بالإحباط وانهيار الروح  المعنوية، جعلته يوافق على مرحلة الحرب الثالثة ، كمقدمة للهروب من جحيم قطاع غزة.
2- أن  المقاومة الأسطورية في قطاع غزة ، برهنت  وهي تخوض الحرب في  شهرها التاسع  بأنها قادرة على الاستمرار في شن حرب الاستنزاف بتكتيكات قتالية متجددة ، وإلحاق خسائر هائلة في صفوف قوات الاحتلال ، وبأسلحة جديدة،  وأنها تمتلك مخزوناً كبيرا من الأسلحة والذخائر، وأنها لا تزال تصنع أسلحتها وذخائرها في أنفاقها الاستراتيجية .
3- الخسائر البشرية الهائلة في صفوف قوات الاحتلال ، فجيش الاحتلال لم يقاتل المقاومة بل يقتل على أيديها ، جراء انهيار معنوياته منذ ملحمة السابع من أكتوبر التاريخية، وجراء قدرة فصائل المقاومة على جره إلى حرب التوتر المنخفض ( حرب العصابات)  لتحييد ميزان القوى المائل عسكرياً لمصلحة الكيان الصهيوني ، ذلك الميزان المثقل بالدعم العسكري غير المحدود من قبل إمبريالية الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا( ما يزيد عن 70 ألف طن من الأسلحة والذخائر الأمريكية لوحدها ، نقلتها  350 طائرة شحن وخمسين سفينة ، من ضمنها 14 ألف قنبلة زنة تتراوح أوزانها بين 2000، 1000، 500 رطل.
4- وصول المستوى العسكري إلى قناعة باستحالة هزيمة المقاومة،  وأن الجيش بات متعباً من الحرب ولا يريد مواصلتها ، وبداية تشكل تحالف ضمني  بين  الجيش  والمعارضة  بقيادة ليبيد وعوائل الأسرى ومناصريهم ، يدعو إلى وقف الحرب وعقد صفقة مع المقاومة لتبادل الأسرى، ما أوصل مختلف القيادات العسكرية ومن ضمنها الناطق العسكري باسم قوات الاحتلال  إلى نتيجة مفادها "استحالة القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة".
 تجدر الإشارة هنا ، إلى أنه في  الوقت الذي راح فيه نتنياهو ، يكذب بشأن معنويات قواته  بقوله "أن كبار الضباط والجنود  الذين التقاهم في محاور القتال ، لا زالوا مصرين على تحقيق أهداف الحرب" ،  جاء الجنرال اسحق بريك – قائد لواء مدرع سابق-  ليكشف أكاذيب نتنياهو في مقابلة له مع قناة " كان الإسرائيلية" بقوله :" أنّه تحدث إلى ضباط ميدانيين وصفهم بال"كبار جداً"، مفيداً بأنّهم قالوا له "ما يخفون قوله لمستوياتٍ أعلى في قيادتهم العسكرية" ومؤّكداً إرادتهم التوصل إلى وقف إطلاق نار  ، وحديثهم أنّ "الجيش منهك وتنقصه الذخائر كما أنّ الآليات متعبة".
كما نقل  الجنرال بريك عن ضباطٍ يحملون رُتب لواء وعميد وقادة ألوية في الميدان، قولهم  "إنّ الجيش ليس فقط لا ينجح، بل فشل وخسر أيضاً في الحرب في مقابل غزة"، بالإضافة إلى تصريحهم بأنّهم "يفقدون جنوداً في الاحتياط، يقولون إنّهم لن يلتحقوا بالخدمة في غزة"، مُضيفاً أنّهم "يفهمون أنّه لا يمكن الانتصار هكذا"، مُطالباً بوجوب "وقف القتال الآن، لأننا لا نقاتل  فقط نُقتل".
5- انعكاسات  انتصارات المقاومة على الكيان الصهيوني على صعيد الأزمة الاقتصادية ، وضرب جهاز المناعة في الكيان الصهيوني ، ونزوح ما يزيد عن 300 ألف مستوطن من منطقة غلاف غزة ومن  شمال فلسطين المحتلة ، وزيادة الهجرة المضادة للخارج التي تجاوزت نصف مليون منذ السابع من أكتوبر 2023   ، وضرب الدور الوظيفي للكيان ألخ.
6-ما يجب الإشارة إليه هنا أن أبرز الأسباب التي دفعت قيادة العدو السياسية والعسكرية إلى تدوير الزوايا والبحث عن مخرج لوقف الحرب ، عبر الدخول في المرحلة الثالثة ،هو الدور الحاسم الذي  تلعبه أطراف  أساسية في محور المقاومة ( حزب لله وحركة أنصار الله والمقاومة العراقية) 
 فالأطراف الثلاثة  الحليفة للمقاومة ، التي  انتقلت في عملياتها من حالة الإسناد للمقاومة في قطاع غزة ،إلى حالة شبه المشاركة في الحرب ، لا تعير اهتماماً للمرحلة الثالثة ، وتعلن بوضوح أنها لن توقف عملياتها العسكرية، إلا بعد وقف العدوان على قطاع غزة والتسليم بكافة شروط المقاومة في أي صفقة مطروحة لتبادل الأسرى.
كما أن حزب الله- على وجه التحديد- الذي يلعب دوراً مركزياً في إسناد المقاومة في قطاع غزة ، طور من عملياته العسكرية بشكل كبير جداً، طالت كافة مواقعه العسكرية والاقتصادية  وكافة المستوطنات  في الجليل، عبر استخدام مئات صواريخ الكاتيوشا ، وصواريخ بركان وفلق الدقيقة وصواريخ الكورنيت   وعشرات المسيرات وغيرها ، تجاوز قواعد الاشتباك مع العدو الصهيوني، ودخل  في مرحلة "أعلى من قواعد الاشتباك وأقل من الحرب الشاملة"  عبر استهداف مواقع  في عمق شمال فلسطين المحتلة،  مثل صفد وطبريا ونهاريا ومحيط حيفا وعكا. .
فالعدو الصهيوني الذي يخشى تهديداً وجودياً ، من  الحرب التي يشنها حزب الله  ، بات يتخبط في تصريحاته ، ففي حين يتبجح وزير الحرب " يو آف غالانت " بالقول "إن الدبابة التي تخرج من رفح قادرة للوصول إلى  نهر الليطاني "، نراه يحذر في اجتماع الكابينيت من الحرب مع حزب الله ، ويحبذ حلاً دبلوماسياً معه 
7- تحذير  الإدارة  الأمريكية المستمر  لحكومة العدو،  من مغبة  الدخول في حرب برية  مع حزب الله ، مشيرةً إلى أن ( إسرائيل) لا تمتلك  القدرة على مواجهة الحزب  الذي يمتلك ما يزيد عن 150 ألف صاروخ من الصواريخ الدقيقة طويلة المدى، وخشيةً من تحول الحرب مع حزب الله إلى حرب إقليمية تشكل خطراً على القواعد والمصالح الأمريكية في المنطقة.
وأخيراً : يمكننا الجزم بأن الكيان الصهيوني ، في ضوء كل ما تقدم ، ليس بوسعه مواصلة الحرب ، وليس أمامه سوى التسليم بشروط ومطالب المفاوض الفلسطيني   في أية صفقة مطروحة ،وهي :  وقف إطلاق نار دائم  وقف إطلاق نار دائم / انسحاب قوات الاحتلال من عموم قطاع غزة/ وفتح المعابر وإدخال المساعدات لكافة مناطق القطاع/  وعودة النازحين  من الجنوب إلى غزة ومناطق الشمال بدون قيد أو شرط/ والبدء في إعادة إعمار قطاع غزة / وإنجاز صفقة تبادل تؤدي إلى تحرير معظم الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
أما الحديث عن مرحلة ما بعد وقف الحرب ، فلن يخضع لرغبات العدو الصهيوني وتوجهات الإدارة الأمريكية ، بل تقررها نتائج الحرب  التي باتت محسومة لمصلحة المقاومة في قطاع غزة.